[عودة] الكلمة التاسعة والخمسون

المواضع التي يشرع فيها الحمد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد..
استكمالًا للحديث عن الحمد؛ فإن الحمد مطلوب من المسلم في كل وقت وحين، فإنه في كل لحظة يتقلب في نعم الله الظاهرة والباطنة، ولكن هناك مواضع يُشرع ويُتأكد فيها الحمد ومنها:
1- نعمة الهداية لهذا الدين، وهي من أكبر النعم التي ينبغي للمؤمن أن يستشعرها دائمًا وأبدًا، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ﴾ [سورة المائدة، آية رقم: 3]، وقال تعالى عن أهل الجنة: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ ﴾ [سورة الأعراف، آية رقم: 43].
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه قال: خرج معاوية رضي اللَّه عنه على حلقة في المسجد فقال: ما أَجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ، قالَ: آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ قالوا: وَاللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ، قالَ: أَما إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَما كانَ أَحَدٌ بمَنْزِلَتي مِن رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم أَقَلَّ عنْه حَدِيثًا مِنِّي، وإنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم خَرَجَ علَى حَلْقَةٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: «ما أَجْلَسَكُمْ؟» قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ علَى ما هَدَانَا لِلإِسْلَامِ، وَمَنَّ به عَلَيْنَا، قالَ: «آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟» قالوا: وَاللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ، قالَ: «أَما إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ اللَّهَ ک يُبَاهِي بكُمُ المَلَائِكَةَ» .
قال ابن القيم رحمه اللَّه: «فهؤلاء جلسوا يحمدون الله بذكر أوصافه وآلائه ويُثنون عليه بذلك، ويذكرون حسن الإسلام، ويعترفون لله بالفضل العظيم إذ هداهم له ومنَّ عليهم به» .
قال ابن رجب رحمه اللَّه: «فمن حصل له نصيب من دين الله فقد حصل له الفضل العظيم، وقد عظمت عليه نعمة الله، فما أحوجه إلى القيام بشكر هذه النعمة وسؤاله دوامها والثبات عليها إلى الممات والموت عليها فبذلك تتم النعمة» .
2 – الطعام والشراب: روى البخاري في صحيحه من حديث أبي أمامة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: «الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيرَ مَكْفِيٍّ، وَلَا مُوَدَّعٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: المخلوق إذا أنعم عليك بنعمة أمكنك أن تكافئه، ونعمه لا تدوم عليك، بل لا بد أن تودعك ويقطعها عنك، ويمكنك أن تستغني عنه، واللَّه عز وجل لا يمكن أن تكافئه على نعمه، وإذا أنعم عليك أدام نعمه فإنه هو أغنى وأقنى، ولا يُستغنى عنه طرفه عين .
3 – اللباس: روى أبو داود في سننه من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه قال: كان رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم إذا استجد ثوبًا سماه باسمه إما قميصًا أو عمامة ثم يقول: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ» .
4 – عند الاستيقاظ من النوم، روى البخاري في صحيحه من حديث حذيفة رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا استيقظ قال: «الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أمَاتَنَا وإِلَيْهِ النُّشُورُ» .
5 – عند رؤية ما يسره وما يكرهه، روى ابن ماجه في سننه من حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُُ»، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» .
6 – عند رؤية المبتلى: روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مُبْتَلًى، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ» .
7 – عند العطاس: روى ابن حبان في صحيحه من حديث أنس رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «لَمَّا نَفَخَ الِلَّهُ فِي آدَمَ الرَّوحَ، فَبَلَغَ الرُّوحُ رَأْسَهُ عَطَسَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ تَبَاَرَكَ وَتَعَالَى: يَرْحَمُكَ اللَّهُ» .
8 – عند الصباح والمساء: روى النسائي في عمل اليوم والليلة من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْتُ أُثْنِي عَلَيْكَ حَمْدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثَلَاثًا، وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ» .
وروى الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن عمرو رضي اللَّه عنهما قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لرجل: «كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا فُلَانُ؟»، قَالَ: أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى اللَّه عليه وسلم «هَذَا الَّذِي أَرَدْتُ مِنْكَ» .
قال ابن عبدالبر رحمه اللَّه: «في هذا الخبر ما يدل على أن السنة المعمول بها في المجاوبة للسائل عن الحال حمد الله والثناء عليه، فإن المسؤول عن حاله لا ينفك من نعمة الله ظاهرة وباطنة من صحة جسم، وصرف بلاء، وكشف كربة، وتفريج غم، ورزق يرزقه، وخير يمنحه، ذكر ذلك أو نسيه. فإذا سئل عن ذلك فليحمد ربه، فله الحمد كله على كل حال، لا إله إلا هو الكبير المتعال» .
9 – قبل الدعاء: روى الإمام أحمد في مسنده من حديث فضالة ابن عبيد رضي اللَّه عنه أنه قال: سمع رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم رجلًا يدعو في الصلاة ولم يذكر اللَّه عز وجل، ولم يصل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: «عَجِلَ هَذَا»، ثم دعاه فقال له ولغيره: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم، ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ» .
10– عند الرفع من الركوع: روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه قال: كان رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أحقُّ مَا قَالَ العَبْدُ، وكُلُّنَا لََكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا منَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» .
11– بعد تكبيرة الإحرام، روى مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي اللَّه عنه أن رجلًا جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس فقال: اللَّهُ أَكْبَرُ، الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم صَلَاتَهُ قَالَ: «أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟» فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا»، فَقَالَ رَجُلٌ: جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا» .
12 – عند ركوب الدابة: روى أبو داود في سننه من حديث علي ابن ربيعة قال: شَهِدْتُ عَلِيًّا رضي اللَّه عنه وَأُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (14) ﴾ [سورة الزخرف، آيتان رقم: 13-14]، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. ثُمَّ ضَحِكَ. فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى صلى اللَّه عليه وسلم فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ. ثُمَّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صلى اللَّه عليه وسلم، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَالَ: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي» .
13 – دبر الصلاة المكتوبة: روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» .
14 – عند فقد الولد: روى الترمذي في سننه من حديث أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ ولَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُم ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ» .
15 – عند ابتداء الخطب: خطبة جمعة، أو نكاح، وكذلك الدروس، وفي ابتداء الكتب المصنفة ونحو ذلك. روى النسائي في سننه من حديث عبد الله بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: علمنا رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم خطبة الحاجة: «الحَمْدَ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ منْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ» .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.