[عودة] الكلمة الثالثة والخمسون
وصايا لقمان الحكيم لابنه:
(الصبر على الأذى في سبيل الله)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد..
الوصية السابعة: من وصايا لقمان الحكيم لابنه الصبر على الأذى في سبيل اللَّه، قال الله تعالى - فيما حكاه الله عنه - ﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ﴾ [سورة لقمان، آية رقم: 17]، وفي ذلك من الفوائد ما يلي:
1- أن الصابر على الأذى في سبيل الله من أهل العزائم، ولا يبلغ هذه المرتبة إلا الكمل من الرجال وقد خص الله بعض أنبيائه بذلك فقال: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [سورة الأحقاف، آية رقم: 35]، قال الشيخ السعدي عند قوله تعالى: ﴿ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ أي: من الأمور التي يعزم عليها ويهتم بها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم .
قال الشاعر:
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزْمِ تَأْتِ العَزَائِمُ
وَتَأْتِي عَلى قَدْرِ الكِرَامِ المَكَارِمُ
وذكر الصبر هنا بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد قوله: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ تنبيه على أن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا بد أن يلحقه الأذى، وأن دواء ذلك وعلاجه النافع هو الصبر، قال بعض السلف: عجبت للصبر تُداوى به الأشياء ولا يُداوى بشيء.
2- أن من أفضل المنح والعطايا أن يُرزق العبد الصبر، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «... وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» .
3- أن الله مع الصابر يقويه ويثبته ويعينه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)﴾
[سورة البقرة، آية رقم: 153]، وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ» .
4- من فضائل الصبر أن أجره لا حد له ولا عد، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾ [سورة الزمر، آية رقم: 10].
5- هذه الفضائل العظيمة والأجور الكبيرة لا ينال كمالها إلا بأمرين:
أحدهما:
أن يشتمل على الأحوال الثلاثة وهي: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله.
وثانيهما:
أن يكون الصبر لله وفي الله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾
[سورة الرعد، آية رقم: 22].
وبذلك أمر الله نبيه حين بعثه برسالته، قال تعالى: ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) ﴾
[سورة المدثر، آية رقم: 7].
6- مما يعين على أن يكون العبد صابرًا حقًّا العلم بعواقب الأمور ، فإن العلم بذلك يجعل العبد دائمًا على استعداد لوقوع المفاجآت، من أجل ذلك قال صلى اللَّه عليه وسلم: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» .
ومن ذلك علمه بعواقب الصبر الحميدة، قال الشاعر:
وَالصَّبْرُ مِثْلُ اسْمِهِ مُرٌّ مُذَاقَتُهُ
لَكِنَّ عَوَاقِبَهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.