[عودة] الكلمة الرابعة والعشرون


وصايا لرجال الأمن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد..
قالﮒ: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)﴾ [الذاريات: 55 ]. روى مسلم في صحيحه من حديث تميم الداري رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» .
وهذه بعض الوصايا التي أُوصي بها نفسي وإخواني رجال الأمن، وأسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح:
أولًا: اعلم أخي رجل الأمن أنه لا يتحقق الأمن لأحد في الدنيا والآخرة إلا بالإيمان الذي لا يخالطه شرك، ولا يناقضه كفر، عليه يحيا وعليه يموت، والدليل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)﴾ [الأنعام: 82 ]. لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: «لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ:﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾» .
ثانيًا: لا ينال الاستخلاف في الأرض، والتمكين فيها إلا بإقامة العدل الذي قامت عليه السموات والأرض، ولا يتحقق العدل إلا بإقامة الشرع، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾ [النور: 55 ].
وقال ﮒ: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) ﴾ [يونس: 62-64 ].
ثالثًا: تقوى الله ومراقبته في السر والعلن، فإن تقوى الله وصيته للأولين والآخرين، قال ﮒ: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) ﴾ [النساء: 131 ]. وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم كثيرًا ما يوصي أصحابه بتقوى الله، ويبدأ بها خطبه ووصاياه، ففي حديث العرباض بن سارية رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّهَ» ، وفي صحيح مسلم من حديث سليمان ابن بريدة عن أبيه رضي اللَّه عنه أنه قال: كان رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا علَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بتَقْوَى اللَّهِ، وَمَن معهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا .
فطريق السعادة والعز والكرامة والنصر هو التقوى، وإنما تأتي المصائب والبلايا والمحن بسبب إهمال التقوى وإضاعتها، أو إضاعة جزء منها، قال ﮒ: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾ [الأعراف: 96 ].
قال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله .
والحذر من المعاصي كبيرها وصغيرها، فقد وعد الله تعالى من اجتنب الكبائر أن يُكفر عنه الصغائر ويدخله مدخلًا كريمًا، قال تعالى: ﴿ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا (31)﴾ [النساء: 31 ]. أي كثير الخير والبركة.
والحذر من الذنوب التي يحتقرها بعض الناس، روى البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي اللَّه عنه قال: إنكم لتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم من الموبقات، قال أبو عبد الله: يعني بذلك المهلكات ، قال الأوزاعي رحمه اللَّه: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
رابعًا: أداء الأمانة، قال تعالى: ﴿ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [المؤمنون: 8]، وقال تعالى: ﴿ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [الأنفال: 27 ]. روى الطبراني في المعجم الكبير من حديث شداد بن أوس رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إِنَّ أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأَمَانَةُُ» .
قال الطبري رحمه اللَّه: الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور. ا هـ وقال بعضهم: «عمل كل ما للَّه فيه طاعة، واجتناب كل ماللَّه فيه معصية، سواء كان ذلك في عبادة أو معاملة، فالصلاة أمانة، والزكاة أمانة، وحفظ الجوارح أمانة، والعمل أمانة، لابد للمسلم أن يؤديه بكل إخلاص وإتقان حتى تبرأ ذمته بذلك، والأمانة من أبرز أخلاق الرسل عليهم الصلاة والسلام، فنوح وهود وصالح ولوط أخبر الله عنهم في سورة الشعراء أن كل رسول من هؤلاء قد قال لقومه: ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)﴾ [الشعراء: 107 ]، ونبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلم كان في قومه قبل الرسالة وبعدها مشهورًا بأنه الأمين.
خامسًا: حسن الخلق، قال تعالى: ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) ﴾ [الإسراء: 53 ]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾ [فصلت: 34 ].
روى الترمذي في سننه من حديث أبي الدرداء رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «مَا مِنْ شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ» .
وحسن الخلق يشمل جوانب كثيرة من حياة المسلم في أقواله وأعماله، في عبادته لربه وتعامله مع عباده، قال عبد الله بن المبارك: حُسن الخلق: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى، وأن تحتمل ما يكون من الناس.
فأوصي أخي رجل الأمن أن يكون حسن الخلق مع زملائه ومع عامة الناس، وأن يكون رفيقًا في تعامله معهم.
روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ» .
ولقد كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم من أحسن الناس خُلقًا، فمن أحب أن يهتدي إلى معالي الأخلاق فليقتدي بمحمد صلى اللَّه عليه وسلم، روى الترمذي في سننه من حديث أنس رضي اللَّه عنه قال: خدمت النبي صلى اللَّه عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أُف قط، وما قال لشيء صنعته لِمَ صنعته؟ ولا لشيء تركته لِمَ تركته؟
سادسًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) ﴾ [آل عمران: 110 ]. وقد عده بعض أهل العلم ركن من أركان الدين، وفي وصية لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)﴾ [لقمان: 17 ].
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يُعد تدخلًا في شؤون الآخرين كما يظن بعض الناس، بل إن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يريدون الخير والنجاة للناس، وإنقاذهم من عذاب الله.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» .
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمان للعباد والبلاد من الهلاك، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾ [هود: 117].
أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.