[عودة] الكلمة الواحدة والعشرون
تعامل النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع صغار المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد..
كان رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا، وقد أثنى الله عليه فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾ [القلم: 4]، قالت عائشة رضي اللَّه عنها - لما سُئلت عن أخلاقه: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» .
وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم رحيمًا بالأطفال، يمازحهم، ويدعو لهم، ويربي فيهم الشجاعة والعلم والتقوى، قال أنس بن مالك رضي اللَّه عنه: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللَّه عليه وسلم .
ومن هذه النماذج:
ما حدث من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم مع سبطه الحسن أو الحسين رضي اللَّه عنهما، فقد روى النسائي من حديث عبد الله بن شداد عن أبيه رضي اللَّه عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدم رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم الصلاة، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يُوحى إليك، قال: «فَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» .
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: «كنت مع رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم في سوق من أسواق المدينة، فانصرف، فانصرفت، فقال: «أَيْنَ لُكَعُ - ثَلَاثًا - ادْعُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ»، فقام الحسن بن علي يمشي وفي عنقه السخاب ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: بيده هكذا، فقال الحسن بيده هكذا، فالتزمه، فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ»، قال أبو هريرة: فما كان أحد أحب إلي من الحسن بن علي بعدما قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم ما قال .
ومنها: موقفه صلى اللَّه عليه وسلم مع ابن أبي موسى الأشعري، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي موسى رضي اللَّه عنه قال: ولد لي غلام، فأتيت به النبي صلى اللَّه عليه وسلم فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة، ودفعه إلي. وكان أكبر ولد أبي موسى .
وكان عادة أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا ولد لأحد منهم ولد أن يأتي به رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فيأخذه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقبله ويضمه إليه، ويدعو له بالبركة.
ومنها: موقفه مع ابن عباس رضي اللَّه عنهما: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وسلم أتى الخلاء، فوضعت له وضوءًا، فلما خرج قال: «مَنْ وَضَعَ هَذَا؟» فأُخبر، فقال: «اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» ، وفي رواية البخاري: ضمني رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم وقال: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ» .
وفي مسند الإمام أحمد أن ميمونةﭫ هي التي أخبرته بذلك، وأن ذلك كان في بيتها ليلًا، وأنه قال: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» . قال ابن حجر رحمه اللَّه: «ولعل ذلك كان في الليلة التي بات ابن عباس رضي اللَّه عنهما فيها ليرى صلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم».
والمراد بالكتاب القرآن لأن العرف الشرعي عليه، والمراد بالتعليم: ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه .
ومنها: موقفه مع أنس بن مالك: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس رضي اللَّه عنه قال: جَاءَتْ بي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إلى رَسولِ اللهِ صلى اللَّه عليه وسلم، وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بنِصْفِ خِمَارِهَا، وَرَدَّتْنِي بنِصْفِهِ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ! هذا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ به يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللهَ له، فَقالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ»، وفي رواية: «وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» . قال أنس رضي اللَّه عنه: فَوَاللَّهِ إنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وإنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ علَى نَحْوِ المِئَةِ، اليَومَ . وفي رواية البخاري: وحَدَّثَتْنِي ابْنَتي أُمَيْنَةُ: أنَّه دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ البَصْرَةَ بضْعٌ وعِشْرُونَ ومِئَةٌ .
قال أبو العالية: «كان لأنس بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك» . قال ابن حجر: «وهذا الحديث من معجزات النبي صلى اللَّه عليه وسلم لما في إجابة دعوته من الأمر النادر، وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الأولاد، وكون بستان المدعو له صار يثمر مرتين في السنة دون غيره» .
ومنها موقفه مع محمود بن الربيع رضي اللَّه عنه، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث محمود بن الربيع رضي اللَّه عنه قال: عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي، وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ . وفي رواية: مِنْ بِئْرِهِمْ .
قال ابن حجر رحمه اللَّه: والمج: هو إرسال الماء من الفم، وقيل: لا يسمى مجًا إلا إن كان على بعد، وفعله النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع محمود إما مداعبة معه، أو ليبارك عليه بها، كما كان ذلك من شأنه مع أولاد الصحابة.
ومن فوائد الحديث: جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث، وزيارة الإمام أصحابه في دورهم ومداعبته صبيانهم .
ومنها موقفه مع السائب بن يزيد: فقد روى البخاري في صحيحه من حديث السائب بن يزيد رضي اللَّه عنه قال: ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابن أختي وجع، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلِ زِرِّ الْحَجَلَةِ .
ومنها موقفه مع أبي عمير: فروى البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي اللَّه عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ - قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمًا- وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ » .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.