[عودة] الكلمة الخامسة عشرة


التولة والتمائم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد..
فإن أعظم الذنوب عند الله تعالى الشرك به سبحانه، قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ۚ﴾ [الرعد: 33 ].
والشرك ينقسم إلى قسمين: شرك أكبر، وشرك أصغر، فأما الشرك الأكبر فهو الذي يخرج صاحبه من دائرة الإسلام ويوجب له الخلود في النار ويحرم عليه الجنة إذا لم يتب ومات عليه، ومن الشرك الأكبر صرف عبادة من العبادات لغير الله تعالى، مثل الدعاء، أو النذر، أو الخوف، أو الذبح، قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) ﴾ [النساء: 116 ].
وأما الشرك الأصغر فهو الذي لا يخرج صاحبه من الملة، ولكنه ينقص من توحيده، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر، فهو يختص بالأعمال والأقوال الظاهرة، أما الألفاظ الظاهرة فمثل الحلف بغير الله، وقول: «ما شاءَ اللَّهُ وشِئْتَ»، وقول: «لَوْلَا اللَّهُ وَفُلَانٌ»، و«وَلَوْلَا اللَّهُ ثُمَّ فُلَانٌ».. وهكذا.
أما الأفعال فهي كثيرة جدًّا مثل: تعليق التمائم خوفًا من العين، أو لبس الحلقة، أو الخيط لرفع البلاء أو دفعه، هذا مع اعتقاده أنها سبب لرفع البلاء أو دفعه، فإن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها، فهذا شرك أكبر.
«والتمائم: شيء يعلق على الأولاد من العين أو الجن، وقد تعلق على المرضى والكبار، وقد تعلق على الإبل... ونحو ذلك، ويسمى ما يعلق على الدواب الأوتار، وهي من الشرك الأصغر، وحكمها حكم التمائم» .
قال الشيخ الألباني رحمه اللَّه: «ولا تزال هذه الضلالة – أي التمائم – فاشية بين البدو والفلاحين وبعض المدنيين، ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة، وبعضهم يعلق نعلًا في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها، وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار والدكان، كل ذلك لدفع العين – كما زعموا – أو غير ذلك مما عم وطم بسبب الجهل بالتوحيد وما ينافيه من الشركيات والوثنيات» .
«وأما التِّولة فهي نوع من السحر يسمونه الصرف والعطف، وهو شيء يعلقونه على الزوج يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها، والزوج إلى امرأته، وهذا شرك لأنه ليس بسبب شرعي ولا قدري للمحبة.
ومثل ذلك الدبلة، والدبلة خاتم يُشترى عند الزواج يوضع في يد الزوج، وإذا ألقاه الزوج قالت المرأة إنه لا يحبها، فهم يعتقدون فيه النفع والضر، ويقولون إنه ما دام في يد الزوج فإنه يعني أن العلاقة بينهما ثابتة، والعكس بالعكس، فإذا وجدت هذه النية فإنه من الشرك الأصغر، وإن لم توجد هذه النية وهي بعيدة ألَّا تصحبها ففيه شبه بالنصارى فإنها مأخوذة منهم» .
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً، فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً، فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ» .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي اللَّه عنه: أن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة، وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله بايعت تسعة وتركت هذا؟ قال: «إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً»، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا، فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ» .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» .
وجاء في عقوبة من تعلق بشيء من ذلك أن الله تعالى ينزع منه عونه ومدده ونصرته، قال صلى اللَّه عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ - أَوْ عَلَيْهِ» .
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه اللَّه: «التمائم إذا كانت من أسماء الشياطين أو العظام أو الخرز أو المسامير أو الطلاسم – وهي الحروف المقطعة – وأشباه ذلك من الشرك الأصغر، وقد تكون شركًا أكبر إذا اعتقد معلق التميمة أنها تحفظه أو تكشف عنه المرض أو تدفع عنه الضرر دون إذن الله تعالى ومشيئته» .
سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية عن القرطاس الذي يعلقونه في العنق للحفظ، هل يجوز أم لا؟
فكان الجواب: تعليق شيء بالعنق أو ربطه بأي عضو من أعضاء الشخص، فإن كان من غير القرآن فهو محرم، بل شرك؛ لما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عمران بن حصين رضي اللَّه عنه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأى رجلًا في يده حلقة من صفر، فقال: «مَاَ هَذَاَ؟» قال: مِنَ الْوَاهِنَةِ، فقال: «انْزِعْهَا فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا» .
وما رواه عقبة بن عامر رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً، فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً، فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ» ، وفي رواية لأحمد: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ» . وما رواه أحمد وأبو داود عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم يقول: «إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» .
وإن كان ما علقه من آيات القرآن، فالصحيح أنه ممنوع أيضًا لثلاثة أمور:
الأول: عموم أحاديث النهي عن تعليق التمائم ولا مخصص لها.
الثاني: سد الذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.
الثالث: أن ما علق من ذلك يكون عرضة للامتهان بحمله معه في حال قضاء الحاجة، والاستنجاء، والجماع.. ونحو ذلك .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.