[عودة] الكلمة الثانية عشر

بعض وصايا النبي صلى اللَّه عليه وسلم لأصحابه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد..
فهذه بعض وصايا النبي صلى اللَّه عليه وسلم لأصحابه، وهي وصايا عظيمة ونافعة:
قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)﴾ [التوبة: 128 ]. واختلاف وصايا النبي صلى اللَّه عليه وسلم لأصحابه مبني على علمه صلى اللَّه عليه وسلم بأحوال أصحابه، وما يناسب كل واحد منهم.
ومن وصايا النبي صلى اللَّه عليه وسلم الكريم للصحابيين الجليلين أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي اللَّه عنهما أنه قال: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» .
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي اللَّه عنه قال: أمرني خليلي صلى اللَّه عليه وسلم بسبع: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي اللَّه عنه قال: أوصاني رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم إِذَا طَبَخْتُ قِدْرًا أَنْ أُكْثِرَ مَرَقَتَهَا، فَإِنَّهُ أَوْسَعُ لِلْجِيرَانِ .
وروى أبو داود في سننه من حديث معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخذ بيده وقال: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» .
وروى الإمام أحمد في كتابه الزهد والطبراني في المعجم الكبير من حديث معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال: أوصني، قال صلى اللَّه عليه وسلم : «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ، وَاذْكُر اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ، وإذا عَمِلتَ سَيِّئة فَأَحْدِثْ عَنْدَهَا تَوْبَةً؛ السِّرِّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِالْعَلَانِيَةِ» .
ومن وصايا النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما رواه أحمد في مسنده من حديث الحسن قال: لما احتضر سلمان رضي اللَّه عنه بكى، وقال: إن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم عهد إلينا عهدًا فتركنا ما عهد إلينا أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب، قال: ثم نظرنا فيما ترك فإذا قيمة ما ترك بضعة وعشرون درهمًا، أو بضعة وثلاثون درهمًا» .
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: «أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يريد سفرًا فقال: يا رسول الله أوصني، قال: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ»، فلما ولى الرجل قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «اللّهُمّ ازْوِ لَهُ الْأَرْضَ وَهَوّنْ عَلَيْهِ السّفَرَ » .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي تميمة عن رجل من قومه: أنه أتى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم - أو قال: شهدت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم وأتاه رجل فقال: أنت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم؟ أنت محمد؟ فقال: «نَعَمْ»، قال: فإلام تدعو؟ قال: «أَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، مَنْ إِذَا كَانَ بِكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ، وَمَنْ إِذَا أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَ لَكَ، وَمَنْ إِذَا كُنْتَ فِي أَرْضٍ قَفْرٍ، فَأَضْلَلْتَ فَدَعَوْتَهُ رَدَّ عَلَيْكَ»، قال: فأسلم الرجل، ثم قال: أوصني يا رسول الله، قال له: «لَا تَسُبَّنَّ شَيْئاً»- أو قال: «أَحَداً» شك الحكم - قال: فما سببت بعيرًا ولا شاة منذ أوصاني رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم - «وَلَا تَزْهَدْ فِي الْمَعْرُوفِ وَلَوْ بِبَسْطِ وَجْهِكَ إِلَى أَخِيكَ وَأَنْتَ تُكَلِّمُهُ، وَأَفْرِغْ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي وَاتَّزِرْ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ» .
وروى الإمام أحمد في كتابه الزهد والبيهقي في شعب الإيمان من حديث سعيد بن زيد رضي اللَّه عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله أوصني، قال: «أُوْصِيكَ أَنْ تَسْتَحيِيَ مَنَ اللَّهِ، كَمَا تَسْتَحيِيَ مِنْ الرَّجلِ الصَّالِحِ مِنْ قوْمِكَ» .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث رجل: أنه سمع جرموزًا الهجيمي رضي اللَّه عنه قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال: «أُوْصِيكَ أَنْ لَا تَكُونَ لَعَّانًا» .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث البراء بن عازب رضي اللَّه عنه قال: أوصى النبي صلى اللَّه عليه وسلم رجلًا إذا أخذ مضجعه يقول: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ، آمَنْتُ بكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فإنْ مَاتَ مَاتَ علَى الفِطْرَةِ» .
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رجلًا قال للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: أوصني، قال: «لَا تَغْضَبْ»، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ» .
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث طلحة قال: سألتُ عبدَ اللهِ بنَ أبي أوفى رضي اللَّه عنه: آوصى النبيُّ صلى اللَّه عليه وسلم ؟ فقال: لا، فقلتُ: كيف كُتب على الناسِ الوصيةُ، أُمروا بها ولم يوصِ؟ قال: أوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ .
ووصى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أصحابه جميعًا فقال: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.