[عودة] الكلمة الثانية والخمسون : الخيل

الكلمة الثانية والخمسون
الخيل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد..
قال الله تعالى: ﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)﴾ [العاديات:1-5].
وقال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) ﴾ [آل عمران: 14].
وقال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60].
وقال تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)﴾ [النحل: 8 ].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيﷺ قال: «الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ: فَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ: فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُعِدُّهَا لَهُ، فَلاَ تُغَيِّبُ شَيْئًا فِي بُطُونِهَا إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرًا، وَلَوْ رَعَاهَا فِي مَرْجٍ، مَا أَكَلَتْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا أَجْرًا، وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ تُغَيِّبُهَا فِي بُطُونِهَا أَجْرٌ - حَتَّى ذَكَرَ الأَجْرَ فِي أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا- وَلَوْ اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا أَجْرٌ، وَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ: فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّمًا وَتَجَمُّلًا، وَلَا يَنْسَى حَقَّ ظُهُورِهَا، وَبُطُونِهَا فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا، وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ وِزْرٌ فَالَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا، وَبَذَخًا وَرِيَاءَ النَّاسِ، فَذَاكَ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ» .
قال ابن حجررحمه الله: «في هذا الحديث بيان أن الخيل إنما تكون في نواصيها الخير والبركة إذا كان اتخاذها في الطاعة أو في الأمور المباحة، وإلا فهي مذمومة» .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبيﷺ قال: «الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ، فَفَرَسٌ لِلرَّحْمَنِ، وَفَرَسٌ لِلإِنْسَانِ، وَفَرَسٌ لِلشَّيْطَانِ، فَأَمَّا فَرَسُ الرَّحْمَنِ: فَالَّذِي يُرْبَطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَعَلَفُهُ وَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ، وَذَكَرَ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا فَرَسُ الشَّيْطَانِ: فَالَّذِي يُقَامَرُ أَوْ يُرَاهَنُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فَرَسُ الإِنْسَانِ: فَالْفَرَسُ يَرْتَبِطُهَا الإِنْسَانُ يَلْتَمِسُ بَطْنَهَا، فَهِيَ تَسْتُرُ مِنْ فَقْرٍ» .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث سهل ابن الحنظلية أن النبيﷺ قال: «إِنَّ الْمُنْفِقَ عَلَى الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَالْبَاسِطِ يَدَيْهِ بِالصَّدَقَةِ لَا يَقْبِضُهَا» .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول اللهﷺ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَهْلُهَا مُعَانُونَ عَلَيْهَا، فَامْسَحُوا بِنَوَاصِيهَا، وَادْعُوا لَهَا بِالْبَرَكَةِ، وَقَلِّدُوهَا، وَلَا تُقَلِّدُوهَا بِالأَوْتَارِ» .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي قتادة عن رسول اللهﷺ قال: «خَيْرُ الْخَيْلِ الأَدْهَمُ ،الَأقْرَحُ ، الأَرْثَمُ ، المُحَجَّلُ ثَلَاثٍ، مُطْلَقُ الْيَمِينِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْهَمَ، فَكُمَيْتٌ عَلَى هَذِهِ الشِّيَةِ» .
قال البخاريرحمه الله في كتابه الصحيح: بَابُ الجهاد ماض مع البر والفاجر لقول النبيﷺ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ» .
وفي رواية مسلم من حديث جرير بن عبد الله قال: رأيت رسول اللهﷺ يلوي ناصية فرس بأصبعيه وهو يقول: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ» .
وقال النبيﷺ: «الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ» .
قال الخطابي رحمه الله: «فيه إشارة إلى أن المال الذي يكتسب باتخاذ الخيل من خير وجوه الأموال وأحبها، والعرب تسمي المال خيرًا كما تقدم في الوصايا في قوله تعالى: ﴿إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ﴾ [البقرة: 180].
وقال ابن عبدالبر: «فيه إشارة إلى تفضيل الخيل على غيرها من الدواب؛ لأنه لم يأت عنهﷺ في شيء غيرها مثل هذا القول» .
وروى الحاكم في المستدرك من حديث عقبة أن النبيﷺ قال: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَغْزُوَ، فَاشْتَرِ فَرَسًا أَغَرَّ مُحَجَّلًا مُطْلَقَ الْيُمْنَى، فَإِنَّكَ تَغْنَمُ وَتَسْلَمُ» .
وروى أبو داود في سننه من حديث ابن عباسﮏ أن النبيﷺ قال: «يُمْنُ الْخَيْلِ فِي شُقْرِهَا» .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول اللهﷺ: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَسٍ عَرَبِيٍّ إِلَّا يُؤَذَنُ لَهُ مَعَ كُلِّ فَجْرٍ يَدْعُو بِدَعْوَتَيْنِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَوَّلْتَنِي مَنْ خَوَّلْتَنِي مِنْ بَنِي آَدَمَ، فَاجْعَلْنِي مِنْ أَحَبِّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِلَيْهِ..أَوْ أَحَبِّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ» .
وكان النبيﷺ يسمى الأُنثى من الخيل فرسًا، فقد روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيﷺ كان يسمي الأنثى من الخيل فرسًا .
وكان النبيﷺ يكره الشكال من الخيل .
منزلة الخيل:
وللخيل منزلة عظيمة في نفوس أصحابها، ولا سيما الخيل العربية الأصلية منها، لما تتصف به من الشجاعة والشهامة والوفاء لأصحابها، والخيل تقاتل مع صاحبها في المعارك؛ ولذلك جعل النبيﷺ للفرس سهمين ولصاحبها سهم من الغنيمة، وإذا سقط صاحب الفرس عنها فإنها لا تفارقه، وفي أبيات من قصيدة الأمير تركي بن حميد رحمه الله:
والعز فوق معسكرات السواديس
إلى قصدت اللي بالأشياء رحومي
يا زينهن عقب النكوفة مقاويس
وعلى الطريح مصوبرات كظومي

ومما جاء من الشعر في الخيل:
أَحِبُّوا الخَيْلَ وَاصْطَبِرُوا عَلَيْهَا
فَإِنَّ العِزَّ فِيهَا والجَمَالَا
إِذَا مَا الخَيْلُ ضَيَّعَهَا أُنَاسٌ
رَبَطْنَاهَا فَأَشْرَكَتِ العِيَالَا
نُقَاسِمُهَا المَعِيشَةَ كُلَّ يَوْمٍ
وَنَكْسُوهَا البَرَاقِعَ وَالجِلَالَا
يقول المتنبي:
أَعَزُّ مَكَانٍ فِي الدُّنَا سَرْجُ سَابِحٍ
وَخَيْرُ جَلِيسٍ فِي الزَّمَانِ كِتَابُ
ومن الأمثلة: الخيل ميامين: أي مباركات.
روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن رسول اللهﷺ رئي وهو يمسح فرسه بردائه، فسُئل عن ذلك فقال: «إِنِّي عُوتِبْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ» .
قال ابن حجررحمه الله: «روى أبو عبيدة في كتاب الخيل أنهم كانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات، وروى الوليد بن مسلم في الجهاد له من طريق عبادة بن نسي وابن محيريز أنهم كانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات ولما خفي من أمور الحرب، ويستحبون الفحول في الصفوف والحصون ولما ظهر من أمور الحرب، وروى عن خالد بن الوليد أنه كان لا يقاتل إلا على أنثى؛ لأنها تدفع البول وهي أقل صهلًا، والفحل يحبسه في جريه حتى ينفتق ويؤذي بصهيله» .
وقال عمر رضي الله عنه: «عليكم بإناث الخيل فإن بطونها كنز، وظهورها حرز» .
تنبيــــــه:
من نعيم الجنة ركوب الخيل، حيث شاء المؤمن، روى الترمذي في سننه من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلًا قال: يا رسول الله: هل في الجنة من خيل؟ قال: «إِنِ اللَّهُ أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ، فَلاَ تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا عَلَى فَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يَطِيرُ بِكَ فِي الجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ» .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.