[عودة] الكلمة السادسة والعشرون: المحرمات في النكاح
الكلمة السادسة والعشرون: المحرمات في النكاح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
فهذه كلمة مختصرة عما يحرم نكاحه من النساء أردت بها التنبيه، وإلا فلا بد من الرجوع إلى كتب الفقه لمعرفة تفاصيل هذه المسائل.
قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)} [النساء: 22]، وقال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} [النساء: 23].
فبينت الآيتين الكريمتين المحرمات من النساء وهن على قسمين?
القسم الأول: اللاتي يحرم نكاحهن تحريمًا مؤبدًا، وهن أربع عشرة امرأة: سبع يحرمن بالنسب – أي القرابة – وسبع يحرمن بالسبب.
أولًا: اللاتي يحرمن بالنسب? أي القرابة? وهن كالآتي:
1 - الأم والجدة (¬1)
وإن علت، لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]. ويعبر عنهن بأصول الإنسان.
2 - البنت، وبنت الابن، وبنت البنت، وبنت بنت الابن وإن سفلت؛ لقوله تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ}، ويعبر عنهن بفروع الإنسان.
3 - الأخت، شقيقة كانت أو لأب أو لأم، لقوله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ}، ويعبر عنهن بفروع الأبوين.
4 - بنت الأخت (¬2)، وبنت ابنها، وبنت بنتها وإن نزلت؛ لقوله تعالى: {وَبَنَاتُ الْأُخْتِ}.
5 - بنت الأخ (¬3)، وبنت بنت الأخ، وبنت ابنه وإن سفلت؛ لقوله تعالى: {وَبَنَاتُ الْأَخِ}.
6 - العمة: وهي أخت الأب، وعمة الأب، وعمة الأم، ويعبر عنهن بفروع الجدين من جهة الأب.
7 - والخالة: وهي أخت الأم، وخالة الأم، وخالة الأب، ويعبر عنهن بفروع الجدين من جهة الأم.
ثانيًا: اللاتي يحرمن بالسبب: وهن كالآتي:
1 - الملاعنة على الملاعن: لما روى أبو داود في سننه من حديث سهل بن سعد في هذا الخبر، قال: فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنفذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان ما صنع عند النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة، قال سهل: حضرت هذا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدًا (¬4).
وروى مسلم في صحيحه من حديث سهل بن سعد، وذكر قصة تلاعن رجل من الأنصار مع امرأته، وأنه طلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففارقها عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ذَاكُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ» (¬5).
قال النووي -رحمه الله-: «وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: ذاكم التفريق بين كل متلاعنين، فمعناه عند مالك والشافعي والجمهور بيان أن الفرقة تحصل بنفس اللعان بين كل متلاعنين، وقيل: معناه تحريمها على التأبيد كما قال جمهور العلماء» (¬6).
2 - الرضاع: وسيأتي الكلام عليه في كلمة مستقلة (¬7).
3 - المحرمات بسبب المصاهرة: وهي القرابة الناشئة بسبب الزواج وهي كالآتي:
- زوجة الأب ومثلها زوجة الجد أب الأب وإن علا، وزوجة الجد أب الأم وإن علا، ويعبر عنهن بزوجات الأصول، لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)} [النساء: 22].
- زوجة الابن، وزوجة ابن الابن، وابن البنت أيضًا، وهكذا زوجات الفروع دون بنت زوجة الأب: وهي ربيبة الأب، فهذه حلال ويجوز الزواج منها.
- أم الزوجة، ومثل أمها جميع أصولها من النساء، كأم أم الزوجة وإن علت، لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]. وهؤلاء الثلاث يحرمن بمجرد العقد، سواء دخل بها أو لم يدخل.
- بنت الزوجة: وهي المسماة بالربيبة، فهي حرام على زوج أمها، لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}. ولا يشترط في التحريم أن تكون الربيبة تربت في حجر زوج أمها، وإنما ذكر قيد الحجر لبيان الغالب، فهذه البنت تحرم على الرجل إذا دخل بأمها، فإن لم يدخل بها كأن طلق الأم، أو ماتت قبل الدخول، فإنه يجوز له نكاح ابنتها، لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}.
القسم الثاني: ما كان تحريمه منهن مؤقتًا:
الأول: ما يحرم من أجل الجمع:
الجمع بين الأختين، سواء كانتا من النسب أو من الرضاع، وسواء عقد عليهما معًا أو متفرقًا، لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}.
الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وبين المرأة وبنت أختها أو بنت أخيها، أو بنت ابنها، أو بنت ابنته، والقاعدة هنا: أن الجمع بين كل امرأتين، لو فرضت إحداهما ذكرًا لما جاز له أن يتزوج الأخرى، ودليل ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» (¬8). وذلك لما يكون بين الضرائر من الغيرة، فإذا كانت إحداهما من أقارب الأخرى حصلت القطيعة بينهما، فإذا طلقت المرأة وانتهت عدتها، حلت أختها، وعمتها، وخالتها لانتفاء المحذور.
لا يجوز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة، لقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]. وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من تحته أكثر من أربع أن يفارق ما زاد عن أربع (¬9).
الثاني: ما كان تحريمه لعارض يزول:
يحرم تزوج المعتدة من الغير، لقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]. ومن الحكمة في ذلك أنه لا يؤمن أن تكون حاملًا فيفضي ذلك إلى اختلاط المياه، واشتباه الأنساب.
يحرم تزوج من طلقها ثلاثًا حتى يطأها زوج غيره بنكاح صحيح، لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
يحرم تزوج الزانية إذا علم زناها حتى تتوب وتنقضي عدتها، لقوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} [النور: 3].
يحرم تزوج المحرمة حتى تحل من إحرامها، للحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عثمان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ» (¬10).
يحرم تزوج الكافر بالمرأة المسلمة، لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221].
يحرم تزوج المسلم بالمرأة الكافرة، لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، وقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]. إلا الحرة الكتابية المحصنة، فيجوز للمسلم أن يتزوجها، لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]. وتكون الآية مخصصة لعموم الآيتين السابقتين في تحريم نكاح المسلمين للكافرات، وعلى ذلك جمهور أهل العلم (¬11).
يحرم على الحر المسلم أن يتزوج الأمة المسلمة؛ لأن ذلك يفضي إلى استرقاق أولاده منها، إلا إذا خاف على نفسه من الزنى ولم يقدر على مهر الحرة أو ثمن الأمة، فيجوز له حينئذ تزوج الأمة المسلمة، لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ... } إلى قوله: ذَلِكَ { ... لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25].
يحرم على العبد أن يتزوج سيدته، فقد أجمع العلماء على حرمة ذلك؛ ولأنه يتنافى بين كونها سيدته، وفي نفس الوقت زوجًا لها.
يحرم على السيد أن يتزوج مملوكته؛ لأن عقد الملك أقوى من عقد النكاح، ولا يجتمع عقد مع ما هو أضعف منه.
الوطء بملك اليمين، حكمه حكم الوطء في العقد فيما سبق إلى أمد، فمن حرم وطؤها بعقد كالمعتدة، والمحرمة، والزانية، والمطلقة ثلاثًا، حرم وطؤها بملك اليمين؛ لأن العقد إذا حرم لكونه طريقًا إلى الوطء فلأن يحرم الوطء من باب أولى (¬12).
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) وتشمل الجدة لأم أو لأب.
(¬2) شقيقة أو لأب أو لأم.
(¬3) الشقيق أو لأب أو لأم.
(¬4) برقم 2250، وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- في صحيح سنن أبي داود (2/ 2424) برقم 1969.
(¬5) برقم 1492.
(¬6) شرح صحيح مسلم (10/ 361).
(¬7) الكلمة رقم 27 من هذا الكتاب.
(¬8) سنن أبي داود برقم 2065، والترمذي برقم 1126، وقال حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- في الإرواء (6/ 290).
(¬9) سنن أبي داود برقم 2241، وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- كما في إرواء الغليل برقم 1885.
(¬10) برقم 1409.
(¬11) وللتفصيل في ذلك يراجع موسوعة الدرر المنتقاة للمؤلف (9/ 135 - 138).
(¬12) انظر: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة لمجموعة من العلماء ص 296 - 300، والملخص الفقهي للشيخ الفوزان (2/ 339 - 344).