[عودة] الكلمة الحادية والأربعون: فضل الصحابة
الكلمة الحادية والأربعون: فضل الصحابة
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة: حب أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال الطحاوي رحمه الله: «ونحبُّ أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا نفرط في حب واحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان» (¬1).
فأهل السنة والجماعة يحبون أصحاب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويفضلونهم على جميع الخلق بعد الأنبياء، لأن محبتهم من محبة رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومحبة رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من محبة اللَّه؛ وهم يثنون على الصحابة، ويترضَّون عنهم، ويستغفرون لهم، وذلك للأمور التالية:
أولاً: أنهم خير القرون في جميع الأمم؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد اللَّه رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» (¬2).
ثانيًا: هم الواسطة بين رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبين أمَّته، فمنهم تَلَقَّتِ الأمَّة عنه الشريعة.
ثالثًا: ما كان على أيديهم من الفتوحات الواسعة العظيمة.
رابعًا: أنهم نشروا الفضائل بين هذه الأمة: من الصدق والنصح والأخلاق والآداب، التي لا توجد عند غيرهم (¬3).
قال تعالى مُثنيًا عليهم: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم (100)} [التوبة].
وقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح]. وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18].
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللهُ عنه قال: قال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (¬4).
قالت عائشة رضي الله عنها - عندما قيل لها: إن ناسًا ينالون من أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حتى أبا بكر وعمر - فقالت: وما تعجبون من هذا؟! انقطع عنهم العمل، فأحَبَّ اللَّه أن لا ينقَطِعَ عنهم الأجر.
وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة عن ابن عمر أنه قال: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً، خَيْرٌ مِنْ عبادة أَحَدِكُمْ أَربَعِينَ سَنَةً» (¬5) (¬6).
قال عبد اللَّه بن مسعود رضي اللهُ عنه: إن اللَّه نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته؛ ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه (¬7).
وقال أيضاً مخاطباً أصحابه: أنتم أكثر صلاة وأكثر صياماً وأكثر جهاداً من أصحاب محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهم كانوا خيراً منكم، قالوا: فيم ذاك يا أبا عبدالرحمن؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا، وأرغب منكم في الآخرة (¬8).
وقال الحسن البصري رحمه الله: إن أصحاب محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا أكياساً عملوا صالحاً، وأكلوا طيباً، وقدموا فضلاً لم ينافسوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يجزعوا من ذلها، أخذوا صفوها، وتركوا كدرها، واللَّه ما تعاظمت في أنفسهم حسنة عملوها، ولا تصاغرت في أنفسهم سيئة أمرهم الشيطان بها (¬9).
قوله: ولا نفرط في حب واحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، وحبهم دين وإيمان وإحسان.
يقصد بذلك الرد على الروافض والنواصب: فإن الرافضة يكفِّرون أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويعتقدون أنهم كفروا إلا ثلاثة منهم، بل يعتقدون أنه لا ولاء إلا ببراء: أي لا يتولَّى أهل البيت حتى يتبرَّأ من أبي بكر وعمر؛ وأهل السنة يوالونهم كلهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، والرافضة يغلون في علي ويرفعونه فوق منزلته، أما النواصب: فإنهم يسبون عليًّا، ويبغضون آل بيت رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (¬10).
قال ابن أبي العز الحنفي: «فمن أضل ممن يكون في قلبه غل على خيار المؤمنين، وسادات أولياء اللَّه بعد النبيين؟! بل قد فضلهم اليهود والنصارى بخصلة، قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى؛ وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى؛ وقيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! لم يستثنوا منهم إلا القليل، وفيمن سبوهم من هو خير ممن استثنوهم بأضعاف مضاعفة» (¬11).
قوله: وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث البراء رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في الأنصار: «لا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ؛ مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» (¬12).
قال أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندنا حق، والقرآن حق؛ وإنما أدَّى إلينا هذا القرآن والسنن: أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا: ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة (¬13).
وقال يحيى بن معين في - تليد بن سليمان المحاربي الكوفي -: «كذاب، كان يشتم عثمان، وكل من شتم عثمان، أو طلحة، أو أحدًا من أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دجَّال، لا يُكتَب عنه، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (¬14).
وللَّه دَرُّ القائل:
لا تَرْكَنَنَّ إلى الروافض إِنهُمْ
شَتَموا الصَّحَابَةَ دُونَ ما بُرْهَانِ
لَعَنُوا كَمَا بَغَضُوا صَحَابَة أحمدِ
وودادهم فرض على الإنسان
حُبُّ الصحابةِ والقرابة سنةٌ
أَلقَى بِهَا رَبِّي إذا أَحْيَانِي
احْذَرْ عِقَاب اللَّهِ وارْجُ ثوابَهُ
حتَى تكونَ كَمْن لََهُ قَلْبانِ
والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) شرح العقيدة الطحاوية (2/ 689).
(¬2) ص 502 برقم 2652، وصحيح مسلم ص1023 برقم 2533.
(¬3) شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين (2/ 248 - 249).
(¬4) ص 701 برقم 3673، وصحيح مسلم ص 1017 برقم 2541.
(¬5) هو الإمام عبيد اللَّه بن محمد الحنبلي: أبو عبد اللَّه ابن بطة، صاحب كتاب الإبانة الكبرى.
(¬6) أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة رقم (20)، (1/ 60 - 61) وقال محققه: إسناده صحيح.
(¬7) أخرجه الإمام أحمد في المسند (6/ 84) برقم 3600، والبغوي في شرح السنة (1/ 214) برقم (105). وقال محققو المسند: إسناده حسن.
(¬8) الجامع لشعب الإيمان للبيهقي (15/ 145) برقم 10152، وقال محققه: إسناده صحيح.
(¬9) الجامع لشعب الإيمان للبيهقي (15/ 144) برقم 10149، وقال محققه: إسناده لا بأس به.
(¬10) شرح العقيدة الطحاوية ص 532.
(¬11) شرح العقيدة الطحاوية ص 532.
(¬12) ص 720 برقم 3783، وصحيح مسلم ص 59 - 60 برقم 75.
(¬13) الكفاية في علم الرواية ص49، وانظر: الإصابة لابن حجر (1/ 11).
(¬14) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (7/ 138)، وانظر: تهذيب التهذيب (1/ 509).