[عودة] الكلمة الرابعة: أخطاء في الصلاة (2)

الكلمة الرابعة: أخطاء في الصلاة (2)
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن الصلاة عماد الدين والركن الثاني من أركانه، وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، ولذلك وجب على المسلم أن يحرص على أدائها: كما أمره النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك، وبيَّن صفتها لأمته.
روى البخاري في صحيحه من حديث مالك بن الحويرث رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي» (¬1).
وروى الطبراني في الأوسط من حديث عبد اللَّه بن قرط رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِن صَلَحَت صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِن فَسَدَت فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ» (¬2).
وهناك أخطاء يقع فيها بعض المصلين: أحببت التذكير بها أداءً لحق اللَّه تعالى، وقيامًا بواجب النصيحة؛ فمن ذلك:
أولاً: الصلاة بالثياب الضيقة أو البنطال الضيق، قال بعض أهل العلم: والمحذور في ذلك أن اللباس الضيق يجسِّم العورة، وهذا على العموم منهي عنه، فكيف إذا كان في الصلاة؟ ! قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
ثانيًا: الصلاة في الثياب الشفافة: فكما يحرم الصلاة في اللباس الضيق لأنه يجسِّم العورة ويصف شكلها وحجمها، فكذلك تَحْرُمُ الصلاة في الثياب الرقيقة التي تشفُّ عما وراءها من البدن.
قال الفقهاء في شروط صحة الصلاة:مبحث ستر العورة، ويشترط في الساتر: أن يكون كثيفًا، فلا يجزئ الساتر الرقيق (¬3).
وهذا يحدث في الصيف: نجد أن بعض الناس يلبس الثياب الشفافة مع السراويل القصيرة، ثم يصلي فيها.
ثالثًا: الصلاة في ملابس النوم أو (البيجامات) أو ملابس العمل، وقد تكون متسخة وبها روائح كريهة تؤذي المصلين، والسبب يعود إلى الكسل: فيتكاسل عن تغييرها؛ بينما لو أراد أن يزور مسؤولاً أو رجلاً له مكانته، لاستعدَّ لذلك؛ فربُّ العالمين أولى بالتجمُّل، قال تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب (32)} [الحج]، وقال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
رابعًا: الإسبال في الصلاة ويشمل الثوب و «البشت» والبنطال، والإسبال منهي عنه على وجه العموم، لقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي اللهُ عنه: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» ، قال: فقرأها رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاث مرار، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول اللَّه؟ قال: «الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» (¬4).
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ» (¬5). فإذا كان هذا الوعيد الشديد لعموم المسبلين، ففي الصلاة أشد وأعظم؛ فقد روى أبو داود في سننه من حديث ابن مسعود رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «مَنْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فِي صَلَاتِهِ خُيَلَاءَ، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ» (¬6).
خامسًا: المواظبة على صلاة النافلة في المسجد وهذا خلاف السنة، والمستحب أن تكون صلاة النافلة في البيت؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي اللهُ عنهما: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» (¬7).
وروى مسلم في صحيحه من حيث جابر بن عبد اللَّه رضي اللهُ عنهما قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا» (¬8).
وروى ابن ماجه في سننه من حديث عبد اللَّه بن سعد رضي اللهُ عنه قال: سألت رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيُّما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: «أَلَا تَرَى إِلَى بَيْتِي مَا أَقْرَبَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ؟! فَلَأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً» (¬9) ، ولا بأس أن يصلي النافلة في المسجد أحياناً إلا أن السنة الغالبة صلاتها في البيت وهو أفضل كما دلت على ذلك الأحاديث المتقدمة.
سادسًا: رفع بعض المصلين أصواتهم في القراءة السرية أو في بعض أذكار الصلاة، وهذا يشوش على الباقين صلاتهم، وقد ورد النهي عن ذلك؛ قال تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا (110)} [الإسراء].
روى مالك في الموطأ من حديث البياضي رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرج على الناس وهم يصلُّون، وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: «إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» (¬10).
سابعًا: إدخال بعض المصلين أجهزة الجوال إلى المساجد: وبها نغمات موسيقية، وهذه النغمات لا تجوز خارج المسجد، فكيف بالمسجد؟ ! قال تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب (32)} [الحج].
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ، وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ» (¬11).
وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة بتحريم النغمات الموسيقية الصادرة من هذه الجوالات (¬12) ، ولا شك أن إدخالها إلى هذه المساجد انتهاك صريح لحرمتها، إضافة إلى إيذاء المصلين وإفساد صلاتهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58)} [الأحزاب].
ثامنًا: الصلاة في الملابس التي فيها صور، والصور منهي عنها على وجه العموم، فكيف بالمسجد؟ ! روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ، لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ» (¬13).
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي الهياج الأسدي: أن عليًّا رضي اللهُ عنه قال له: ألا أبعثك على ما بعثني رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ «لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ، وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا» (¬14).
والحمدُ للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) ص 137، برقم 631.
(¬2) (2/ 240) برقم 1859، وصححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» برقم 1358.
(¬3) انظر: المغني (2/ 286 - 287).
(¬4) ص 68، برقم (106).
(¬5) ص 1132، برقم 5787.
(¬6) صحّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 126)، برقم 595.
(¬7) ص 104، برقم 432، وصحيح مسلم ص307، برقم 777.
(¬8) ص 307، برقم 778.
(¬9) ص 152، برقم 1378، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (2/ 190).
(¬10) ص 53، برقم 218، وقال محققه: حديث صحيح.
(¬11) ص 1101، برقم 5590.
(¬12) فتاوى اللجنة الدائمة (26/ 261) برقم 20842.
(¬13) ص 1156 برقم 5961، ومسلم ص 875 برقم 2107.
(¬14) ص 374، برقم 969.