[عودة] الكلمة المئة وتسع وعشرون: أخطاء في الطهارة

الكلمة المئة وتسع وعشرون: أخطاء في الطهارة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن الطهارة شرط من شروط الصلاة، التي لا تقبل إلا بها، روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ» (¬1).
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» (¬2).
وهناك أخطاء يقع فيها بعض المصلين تتعلق بالطهارة، أحببت التذكير بها أداء لحق الله تعالى، وقيامًا بواجب النصيحة.
أولاً: أن بعض الناس، أو كثير منهم يعبدون الله على جهل، فيقعون في أخطاء فاحشة، في الطهارة، والصلاة، والصيام، والحج، وغيرها من العبادات، بل قد يتعدى ذلك إلى الخطأ في أمور في التوحيد والأيمان، وللأسف قد يكون بعض هؤلاء ممن يزعمون أنهم من المثقفين، غير أن ثقافتهم ثقافة ضحلة لا تتعدى الجرائد والمجلات والقنوات الفضائية، والواجب على المسلم أن يعرف دينه من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه من ذلك، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 43 - 44].
روى ابن ماجه في سننه من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (¬3).
وروى البخاري من حديث جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬4)، وكان يقول في حجته فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر: «لِتَاخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» (¬5)، وقد يبلغ الأمر ببعض الناس إلى الإعراض عن تعلم الدين، وفي هذا خطر عظيم، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ ... حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124 - 126].
ثانيًا: من الأخطاء ما يتعلق بالوضوء، فمن ذلك ترك إسباغ الوضوء، ومعنى الإسباغ إعطاء كل موضع من مواضع الوضوء حقه، وعلى المصلي أن ينتبه عند الوضوء إذا كان في يده ساعة أو خاتم أو غير ذلك، فلا بد أن يصل الماء إلى العضو، روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» (¬6).
والعقب هو مؤخر القدم، روى مسلم في صحيحه من حديث جابر - رضي الله عنه -، قال: أَخْبَرَنِي عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ» فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى (¬7).
ومنها: عدم إكمال غسل اليدين إلى المرفقين، والواجب عليه غسل يديه كلها من أطراف الأصابع إلى المرافق؛ لأن الكفين داخلان في مسمى اليد، وقد نبه على ذلك بعض أهل العلم من المعاصرين.
قال الشيخ ابن عثيمين وهو يتحدث عن صفة الوضوء: وغسل اليدين إلى المرافق من أطراف الأصابع إلى المرافق مرة واحدة، ويجب أن يلاحظ المتوضئ كفيه عند غسل ذراعيه، فيغسلهما مع الذراعين، فإن بعض الناس يغفل عن ذلك، ولا يغسل إلا ذراعيه، وهو خطأ (¬8).
ومنها: أن بعضهم عند غسل الوجه لا يغسل صفحة وجهه كاملة، بل تبقى أجزاء من الوجه، جهة الأذنين لم يمسها الماء، والصحيح أن حدود الوجه من منابت شعر الرأس إلى أسفل اللحيين والذقن طولاً، وعرضًا إلى أصول الأذنين.
ومنها: أن بعضهم يكتفي بمسح مقدم رأسه، أو يمسح إلى منتصف الرأس، والصحيح أن عليه أن يمسح جميع الرأس، فقد روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم قال: ثُمَّ مَسَحَ رَاسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَاسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ (¬9).
ومنها: عدم تخليل أصابع اليدين والرجلين، فقد روى أبو داود في سننه من حديث المستورد بن شداد - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَوَضَّأَ يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ (¬10).
وروى الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا تَوَضَّاتَ فَخَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ» (¬11).
ومنها: الإسراف في الماء، قال تعالى: {وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]. روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ (¬12).
وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمن أن يزيد على وضوئه ثلاث مرات، روى النسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: «هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» (¬13).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) برقم (224).
(¬2) البخاري برقم (135)، ومسلم برقم (225).
(¬3) برقم (224) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 727) برقم (3914).
(¬4) برقم (631).
(¬5) برقم (1297).
(¬6) برقم (241).
(¬7) برقم (243).
(¬8) انظر: الضياء اللامع من الخطب الجوامع (2/ 52).
(¬9) البخاري برقم (185)، ومسلم برقم (235).
(¬10) برقم (148) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 30) برقم (134).
(¬11) برقم (39) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/ 14) برقم (36).
(¬12) البخاري برقم (201)، ومسلم برقم (325).
(¬13) برقم (140) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/ 31) برقم (136).