[عودة] الكلمة الثامنة والخمسون: فوائد من قصة أصحاب الكهف (2)

الكلمة الثامنة والخمسون
فوائد من قصة أصحاب الكهف (2)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد..
إن قصة أصحاب الكهف وإن كانت عجيبة، فليست أعجب آيات الله التي أطلعناك عليها، فقد آتيناك من الآيات ما هو أعجب وأعظم عبرة للمعتبرين، ومن فوائد هذه القصة:
1- «أن من أوى إلى الله آواه الله، ولطف به، وجعله سببًا لهداية الضالين؛ فإن الله لطف بهم في هذه النومة الطويلة إبقاء على إيمانهم وأبدانهم من فتنة قومهم وقتلهم، وجعل هذه القومة من آياته التي يستدل بها على كمال قدرة الله، وتنوع إحسانه، وليعلم العباد أن وعد الله حق.
2- الحث على تحصيل العلوم النافعة والمباحثة فيها؛ لأن الله بعثهم لأجل ذلك، وببحثهم ثم بعلم الناس بحالهم حصل البرهان والعلم بأن وعد الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.
3- الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند ما يعرف.
4- صحة الوكالة في البيع والشراء وصحة الشركة في ذلك، لقولهم ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾.
5- جواز أكل الطيبات، والتخير من الأطعمة ما يلائم الإنسان ويوافقه، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه، لقوله: ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾.
6- الحث والتحرز والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن في الدين، واستعمال الكتمان الذي يدرأ عن الإنسان الشر.
7- في القصة شدة تمسك هؤلاء الفتية بدينهم، وذلك بتركهم ديارهم وأموالهم والاعتزال خوفًا من أن يُفتنوا في دينهم.
8- ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد الداعية لبغضه وتركه، وأن هذه الطريقة طريقة المؤمنين.
9- أن قوله: ﴿ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا﴾ فيه دليل على أن هؤلاء القوم الذين بعثوا في زمانهم أناس أهل تدين؛ لأنهم عظموهم هذا التعظيم حتى عزموا على اتخاذ مسجد على كهفهم، وهذا وإن كان ممنوعًا– وخصوصًا في شريعتنا – فالمقصود بيان أن ذلك الخوف العظيم من أهل الكهف وقت إيمانهم ودخولهم في الغار أبدلهم الله به بعد ذلك أمنًا وتعظيمًا من الخلق، وهذه عوائد الله فيمن تحمل المشاق من أجله أن يجعل له العاقبة الحميدة.
10- أن كثرة البحث وطوله في المسائل التي لا أهمية لها لا ينبغي الانهماك به لقوله: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾.
11- أن سؤال من لا علم له في القضية المسئول فيها أو لا يوثق به منهي عنه لقوله: ﴿ وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا ﴾.
12- أن اتخاذ المساجد على القبور من عمل أهل الكتاب قبل هذه الأمة، وقد بين ذلك رسول اللهﷺ وحذر منه، وحرمه على أمته لما يفضي إلى الشرك، وعبادة غير الله، ففي الصحيحين من حديث عائشةﭫ أن النبيﷺ قال: «أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ العَبْدُ الصَّالِحُ، أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ» .
وروى مسلم في صحيحه أن النبيﷺ قال: «لاَ تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا» » .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.