[عودة] الكلمة الخامسة والعشرون: خطورة دور السينما
الكلمة الخامسة والعشرون: خطورة دور السينما
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فالحديث في هذا اليوم عن فتنة عظيمة، ومعصية كبيرة، يدعو إليها أصحاب الشهوات والملذات، ألا وهي افتتاح دور السينما، وسيكون الكلام فيها في العناصر التالية: المخالفات الشرعية، أقوال العلماء، شبهة والجواب عنها. فمن تلك المخالفات:
أولاً: ما يتعلق بالعقيدة، وهو أخطر ما يكون، فهي تعرض صور الكفار وحضارتهم، وأحوال معيشتهم بطريقة تدعو إلى الإعجاب والميل لهم مع أن حياتهم حياة البهائم، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون (7)} [الروم: 7]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَاكُلُونَ كَمَا تَاكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُم (12)} [محمد: 12]. وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179].
وبالمقابل تزهِّد في أخلاق المسلمين، ولباسهم، وطرق معيشتهم، والاحتقار لعلماء الإسلام، وأبطال المسلمين، وتمثيلهم بالصور المنفرة، والمسلم مأمور بموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، قال تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (22)} [المجادلة: 22].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث البراء بن عازب رضي اللهُ عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: «إِنَّ أَوثَقَ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ، وتُبْغِضَ فِي اللَّهِ» (¬1).
ثانياً: تصوير الاختلاط على أنه أمر عادي لا حرمة فيه، والإكثار من قصص الحب، والغرام والعشق بين الجنسين، ودعوة المرأة إلى خلع حجابها والتمرد على دينها وأهلها، ومعاشرة الرجال الأجانب دون حياء أو خجل، وهذا يؤدي إلى نشر الفاحشة والرذيلة في مجتمعات المسلمين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون (19)} [النور: 19].
ثالثاً: الغناء: قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِين (6)} [لقمان: 6]. وأكثر المفسرين كابن عباس وابن مسعود فسروه بالغناء، وكان ابن مسعود يحلف بالله أن لهو الحديث هو الغناء (¬2).
وقال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64].
رابعاً: المعازف: وهي حرام بجميع أنواعها، وأشكالها. روى البخاري في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري رضي اللهُ عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ، وَالْحَرِيرَ، والْخَمرَ والمَعَازِفَ» (¬3). فإخبار النبي صلى اللهُ عليه وسلم أنهم يستحِلُّونها معنى ذلك أنها في الأصل حرام.
خامساً: أن عرض السينما في مكان عام مع ما فيها من المنكرات والمخالفات الشرعية السابق ذكرها يعتبر مجاهرة بالمعصية، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ» (¬4).
سادساً: آثارها السيئة على مرتاديها، ومنها تعليمهم طرق المكر والخداع، والسرقة وحياكة المؤامرات والقتل، وقد ذكرت الإحصائيات العالمية أن كثيراً من حالات القتل، والاغتصاب والطلاق، والخيانات الزوجية كانت بسبب أفلام العنف والجنس، السينمائية والتلفزيونية.
أقوال العلماء فيها: قال الشيخ عبد الله بن حميد: «ومن أهم ما يجب المبادرة إلى رفعه وإزالته، أو دفعه وعدم إقراره هو وجود هذه السينما التي انتشرت في أكثر الأماكن، وما يُعرض فيها من صور خليعة، وأمراض أخلاقية فتاكة تقتل ما في الإنسان من رجولية، أو مروءة، أو ديانة، وإنها والله فخ نصبه لنا أعداؤنا ليُذهِبُوا ما فينا من حماسة أخلاقية امتاز المسلمون فيها على غيرهم، وقد أدركوا ما يريدون من كثير من أبناء المسلمين بسببها، فلا حول ولا قوة إلا بالله» (¬5).
وسُئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز للمسلم أن يبني سينما ويدير أعماله بيده؟
فأجابت: «لا يجوز لمسلم أن يبني سينما، ولا أن يدير أعمال سينما له، أو لغيره لما فيها من اللهو المحرم؛ ولأن السينماءات المعروف عنها في العالم اليوم أنها تعرض صوراً خليعة، ومناظر فتانة، تثير الغرائز الجنسية، وتدعو للمجون، وفساد الأخلاق، وكثيراً ما تجمع بين نساء، ورجال غير محارم لهن» (¬6).
وجاء في خطاب الملك فيصل رحمه الله إلى وزير الإعلام: «وأما السينماء فلا يسمح لذويها بعرضها في أماكن عامة مطلقاً، ومَن يُقبَضْ عليه يُجَازَ بمصادرة الآلة، والأفلام، والسجن، والجلد (¬7)» (¬8).
العنصر الثالث: شبهة والجواب عنها.
قد يقول قائل: إن السينما التي تُعرض الآن ليس فيها إثارة جنسية ولا اختلاط واضح بين الرجال، والنساء، ومن الممكن أن تكون تحت ضوابط إسلامية.
فالجواب عن ذلك: أن أهل الشر يتدرجون شيئاً فشيئاً، قد يتنازلون عن بعض الأمور حتى يحصلون بعد ذلك على ما يريدون، وهذا دَيْدَنَهُم دائماً، شيئاً فشيئاً حتى تصبح السينما عندنا كبقية الدول الأخرى تُعرَضُ بكل ما فيها من اختلاط بين الرجال، والنساء، وفسق، وإضاعة للصلوات، ومشاهد فاضحة .. وغير ذلك من الشرور والمفاسد مما ينكره كل مسلم عاقل يرجو الله والدار الآخرة، قال تعالى: {وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا (27)} [النساء: 27].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) (30/ 488) برقم 18524 وقال محققوه حديث حسن بشواهده.
(¬2) تفسير ابن كثير (11/ 46).
(¬3) برقم 5590.
(¬4) برقم 6069 وصحيح مسلم برقم 2990.
(¬5) الرسالة الثالثة من الشيخ عبد الله بن حميد إلى الملك فيصل رحمهما الله، نُشرت في كتاب الدرر السنية المجلد الخامس عشر.
(¬6) فتاوى اللجنة الدائمة (26/ 277) برقم 3501.
(¬7) الدرر السنية المجلد السادس عشر.
(¬8) انظر: ما كتبه أخونا د. سليمان الجربوع في كتابه عندما يكون الترفيه مصيدة - السينما أنموذجاً فقد أجاد وأفاد.