[عودة] الكلمة التاسعة والأربعون: أضرار المخدرات والمسكرات

الكلمة التاسعة والأربعون: أضرار المخدرات والمسكرات
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد،
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون (90)} [المائدة].
في هذه الآية الكريمة يذم تعالى هذه الأشياء القبيحة ويخبر أنها من عمل الشيطان وأنها رجس والخمر كل ما خامر العقل أي غطاه بسكره.
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ميسرة عن عمر بن الخطاب رضي اللهُ عنه أنه قال لما نزل تحريم الخمر قال: اللَّهم بين لنا في الخمر بياناً شفاء، فنزلت هذه الآية التي في البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: 219] قال: فدُعي عمر فقُرئت عليه فقال: اللَّهم بين لنا في الخمر بياناً شفاء فنزلت الآية التي في النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] فكان منادي رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أقام الصلاة نادى: «أَن لَا يَقرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكرَانُ»، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللَّهم بين لنا في الخمر بياناً شفاء، فنزلت الآية التي في المائدة، فدُعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون (91)} [المائدة] قال: فقال عمر: انتهينا، انتهينا (¬1).
ولا شك أن الجميع يعرف أن الخمر وجميع المخدرات والمسكرات حرام ولكني انطلق في الكلام عن هذا الموضوع لحديث وجدته عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول فيه فيما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري رضي اللهُ عنه: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ (¬2) وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» (¬3).
فقوله: يستحلون تشير إلى أنه سيأتي أقوام لا يبالون بما حرم اللَّه عليهم بل يتخذونه حلالاً كحل الطيبات. ومما جاء في الوعيد الشديد لمن شرب الخمر ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي اللهُ عنه: أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ - وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» (¬4).
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» (¬5)، وروى النسائي في سننه من حديث ابن عمر رضي اللهُ عنهما أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ» (¬6).
وشارب الخمر ملعون على لسان النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم روى أبو داود في سننه من حديث ابن عمر أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ: وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» (¬7).
والخمر أم الخبائث، ومفتاح كل شر وفساد، ويلحق بالخمر جميع أنواع المخدرات من الحشيش والكوكايين، والأفيون، والهروين، وكذلك الحبوب التي دمرت كثيراً من شباب المسلمين اليوم يدسها الأعداء لإضعاف قوة المسلمين، وإبعادهم عن دينهم، مع أن هذه الحبوب حتى عند المجتمعات الكافرة ممنوعة ومتعاطيها إن استمر عليها فلا بد أن يصيبه الجنون وهذا مشاهد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن الحشيشة حرام يحد متناولها كما يحد شارب الخمر وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة وغير ذلك من الفساد، وقال في موضع آخر: هذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها موجبة لسخط اللَّه وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين، المعرضة صاحبها لعقوبة اللَّه، تشمل على ضرر في دين المرء وعقله وخلقه وطبعه تفسد الأمزجة حتى جعلت خلقاً كثيراً مجانين، وتورث مهانة آكلها ودناءة نفسه وغير ذلك، ما لا تورث الخمر ففيها من المفاسد ما ليس في الخمر فهي بالتحريم أولى، وقد أجمع المسلمون على أن المسكر منها حرام، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتل مرتداً لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وأن القليل منها حرام أيضاً بالنصوص الدالة على تحريم الخمر وتحريم كل مسكر» (¬8) اهـ.
قال الشاعر:
قُلْ لِمَنْ يَاكُلُ الحَشِيشَةَ جَهْلاً
عِشْتَ فِي أَكْلِهَا بِأَقْبَحِ عِيشَةٍ
قِيمَةُ المَرْءِ جَوْهَرٌ فَلِمَاذَا
يَا أَخَا الجهلِ بِعْتَهُ بِحشيشةٍ
وقال قيس بن عاصم المنقري:
رَأَيْتُ الخَمْرَ صَالِحَةً وفِيهَا
خِصَالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الحَلِيمَا
فَلاَ واللَّهِ أَشْرَبُها صَحِيحًا
وَلَا أَسْقِي بِهَا أَبداً سَقِيمًا
ولا أُُعْطِي بِهَا ثَمنًا حَيَاتِي
ولَا أدْعُو لَهَا أبدًا نَدِيمًا
فإنَّ الخَمْرَ تَفْضَحُ شَارِبِيها
وتَجْنِيهِم بِهَا الأَمْرَ العَظِيمَا
أما الأضرار والمآسي والقصص المحزنة التي حدثت بسبب المخدرات والمسكرات فهي معروفة لدى الجميع، بل إن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حرم التداوي بالخمر وما شابهها من المخدرات والمسكرات لأن اللَّه تعالى لم يجعل شفاءنا فيما حرم علينا. روى مسلم في صحيحه من حديث طارق بن سويد: سَأَلَ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَنِ الْخَمْرِ؟ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» (¬9).
قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلاً وهو يحتضر، فجعل يلقن الشهادتين، فيأبى ويقول: هو كافر بها، قال: فسالت عنه فإذا هو مدمن خمر.
وأختم بالتذكير بعظم الأمانة والمسؤولية الملقاة على الآباء والمسؤولين فإن هذه الفتنة قد كثرت وانتشرت حتى في بلاد المسلمين واضطرت الحكومات والدول أن تنشئ لها المصحات والمستشفيات.
وقد تبين أن من أعظم أسباب الوقوع فيها إهمال أولياء الأمور من الآباء والأمهات مراقبة الأولاد وضعف التربية وترك المجال لهم لمصاحبة رفقاء السوء، ودعاة الرذيلة، فليُحذر من ذلك وليؤخذ بأسباب النجاة.
والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) (1/ 443) برقم 378 وقال محققوه: إسناده صحيح.
(¬2) أي الزنا.
(¬3) ص 1101 برقم 5590.
(¬4) ص 831 برقم 2003.
(¬5) ص54 برقم 57 واللفظ له، وصحيح البخاري ص 467 برقم 2475.
(¬6) (10/ 265) برقم 6113 وقال محققوه: حديث صحيح.
(¬7) ص 406 برقم 3674.
(¬8) الفتاوى (34/ 213) بتصرف.
(¬9) ص 823 برقم 1984.