[عودة] الكلمة المئة وخمس وثلاثون: تحريم التصوير

الكلمة المئة وخمس وثلاثون: تحريم التصوير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فمن المنكرات التي انتشرت بين الناس، وابتلي بها كثير من المسلمين التصوير، وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحاح والمسانيد والسنن دالة على تحريم تصوير كل ذي روح، آدميًا كان أو غيره، وهتك الستور التي فيها الصور، والأمر بطمس الصور، ولعن المصورين، وبيان أنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة، ففي الصحيحين من حديث أبي زرعة قال: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، فَرَأَى أَعْلَاهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «قَالَ اللهُ عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً» (¬1).
وفيهما عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ» (¬2).
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» (¬3).
وفي الصحيحين من حديث القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَأَىهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟» فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ»، وَقَالَ: «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ» (¬4).
وفي صحيح مسلم من حديث علي - رضي الله عنه -: أنه قال لأبي الهياج الأسدي: «أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ أَلاَّ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ، وَلاَ صُورَةً إِلاَّ طَمَسْتَهَا» (¬5).
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: وهذه الأحاديث وما في معناها دلالة ظاهرة على تحريم التصوير لكل ذي روح، وأن ذلك من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار، وهي لأنواع التصوير، سواء كان للصورة ظل أم لا، وسواء كان التصوير في حائط أو ستر أو قميص أو قرطاس أو غير ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفرق بين ما له ظل ولا غيره، ولا بين ما جعل في ستر أو غيره، بل لعن المصور وأخبر أن المصورين أشد الناس عذابًا يوم القيامة، وأن كل مصور في النار، وأطلق ذلك، ولم يستثن شيئًا، قال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
وقال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] (¬6).
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ولا يجوز للمسلم أن يقتني الصور في بيته، ولا يحتفظ بها، إلا الصور الضرورية التي يحتاجها، كصورة حفيظة النفوس، وجواز السفر، وإثبات الشخصية، فهذه أصبحت ضرورية، وهي لا تتخذ من باب محبة التصوير، وإنما تتخذ للضرورة والحاجة، أما ما عدا ذلك من الصور فلا يجوز الاحتفاظ بها للذكريات، ولا الاطلاع عليها، وما أشبه ذلك، ويجب على الإنسان أن يتلف الصور، وأن يخلي بيته منها مهما أمكنه ذلك، وإذا كان في منزله صور معلقة على الحيطان، أو منصوبة، سواء كانت تماثيل أو كانت رسومًا على أوراق من صور ذوات الأرواح، كالبهائم والطيور والآدميين، وكل ما فيه روح، فإنه يجب إزالته، فقد غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما رأى سترًا وضعته عائشة على الجدار فيه تصاوير. اهـ (¬7).
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني وهو يرد على من فرق بين التصوير الشمسي والتصوير باليد: وقريب من هذا تفريق بعضهم بين الرسم باليد، وبين التصوير الشمسي بزعم أنه ليس من عمل الإنسان! وليس من عمله فيه إلا إمساك الظل فقط، كذا زعموا، أما ذلك الجهد الجبار الذي صرفه المخترع لهذه الآلة حتى استطاع أن يصور في لحظة ما لا يستطيعه بدونها في ساعات فليس من عمل الإنسان عند هؤلاء! وكذلك توجيه المصور للآلة وتسديدها نحو الهدف المراد تصويره، وقبيل ذلك تركيب ما يسمونه بالفلم، ثم بعد ذلك تحميضه، وغير ذلك مما لا أعرفه، فهذا أيضًا ليس من عمل الإنسان عند أولئك أيضًا! (¬8)
سئل الشيخ ابن عيثمين رحمه الله عن عرض الصور الكبيرة والصغيرة في المحلات التجارية وهي صور إما لممثلين عالميين أو أناس مشهورين وذلك للتعريف بنوع أو أصناف من البضائع كالعطورات وغيرها. وقال السائل: عند إنكارنا على أصحاب المحلات يجيبون بأنهم اطلعوا على فتوى لفضيلتكم بأن التصوير المجسم هو الحرام وغير ذلك فلا؟ فأجاب رحمه الله: من نسب إلينا أن المحرم من الصور هو المجسم وأن غير ذلك غير حرام فقد كذب علينا ونحن نرى أنه لا يجوز لبس ما فيه صورة سواء كان من لباس الصغار أو من لباس الكبار وأنه لا يجوز اقتناء الصور للذكرى أو غيرها إلا ما دعت الضرورة أو الحاجة إليه مثل التابعية والرخصة والله الموفق (¬9).
وسئلت اللجنة الدائمة عن التصوير الذي تستخدم فيه كاميرا الفيديو هل يقع حكمه تحت التصوير الفوتوغرافي؟
فأجابت: نعم حكم التصوير بالفيديو حكم التصوير الفوتوغرافي بالمنع والتحريم لعموم الأدلة (¬10).
ومن مفاسد الصور:
أولاَ: فيها مضاهاة لخلق الله، وادعاء المشاركة لله في خلقه، الذي اختص به، فإنه هو الخالق البارئ المصور، له الأسماء الحسنى والصفات العلى.
ثانيًا: إن التصوير وسيلة من وسائل الشرك، فأول ما حدث الشرك في الأرض كان بسبب التصوير، لما صور قوم نوح رجالاً صالحين ماتوا في عام واحد، فتأسفوا عليهم، فجاء الشيطان وألقى إليهم أن يصوروا تصاويرهم، وينصبوها على مجالسهم حتى يتذكروا بها العبادة، ففعلوا ذلك، ولما مات هذا الجيل جاء الشيطان إلى من بعدهم وقال: إن آباءكم ما نصبوا هذه الصور إلا ليستقوا بها المطر، وليعبدوها، فعبدوها من دون الله عز وجل، ومن ثم حدث الشرك في الأرض بسبب التصوير.
ثالثًا: أنه سبب في فساد الأخلاق، وذلك إذا صورت الفتيات في المجلات والصحف، والقنوات الفضائية، أو صورت للذكريات، أو ما أشبه ذلك، فإن هذا يجر إلى الافتتان بتلك الصور، وبالتالي يوقع في القلب المرض والشهوة، ولهذا اتخذ المفسدون التصوير مطية ووسيلة لإفساد الأخلاق بتصوير النساء في الأفلام والمجلات، والأدوات المنزلية، والدعايات، وغيرها (¬11).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1) البخاري برقم (5953)، ومسلم برقم (2111).
(¬2) البخاري برقم (5950)، ومسلم برقم (2109).
(¬3) البخاري برقم (5951)، ومسلم برقم (2108).
(¬4) البخاري برقم (5961)، ومسلم برقم (2107).
(¬5) برقم (969).
(¬6) رسالة للشيخ بعنوان (الجواب المفيد في حكم التصوير) (ص13).
(¬7) فتاوى الشيخ صالح الفوزان (2/ 193).
(¬8) آداب الزفاف (ص192).
(¬9) فتاوى كبار العلماء في التصوير للشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري (ص124).
(¬10) (1/ المجموعة الثانية) (ص288).
(¬11) انظر: فتاوى الشيخ صالح الفوزان (2/ 192 - 193).